CSS Menus Samples Css3Menu.com

 

 

 


 

الكتابة الروائية و التلقي(+)

 

د. عبد العالي بوطيب

 

تتناول هذه الدراسة ، كما هو واضح من عنوانها ، قضية من أهم و أعقد القضايا التي شغلت ، و ما تزال ، حيزا هاما من اهتمامات الباحثين و المفكرين ، عربا و أجانب ، قدماء و محدثين، دون أن ينتهوا فيها لقرارات نهائية حاسمة، تضبط أبعادها و خلفياتها، و تحدد أشكالها و خصائص كل صنف منها، نظرا لتموقعها عند نقطة تقاطع مجالات معرفية عديدة و مختلفة، منها ما هو نفسي خاص، و ما هو اجتماعي عام ، منها ما له علاقة بالإيديولوجيا ، و ما له طابع فكري محض، مما يجعل مسألة الحسم فيها صعبة للغاية، و هو ما انعكس سلبا على نتائج أغلب الدراسات التي حاولت مقاربة هذه الإشكالية من زوايا جزئية محددة و مختلفة، و أضفى على نتائجها ، بالتالي ، طابعا اختزاليا تختلف درجات قصوره من باحث لآخر، مما لا تخفى آثاره الواضحة على القارئ الفطن  لهذه الدراسات، و لنا في الإجابات الغامضة و المتذبذبة التي عولجت بها بعض جوانب هذه القضية أكبر دليل على ما نقول، مما ترك أغلب الأسئلة الأساسية المحيرة المطروحة معلقة دون جواب، بدءا بمناقشة جوهر علاقة التفاعل القائم بين الكتابة و القراءة، و انتهاء بمحاولة إبراز أهم مظاهر تجليات هذا التفاعل على المستوى النصي المحايث، باعتباره الفضاء المحدد لذلك، مرورا بباقي الأسئلة الهامة الأخرى، خصوصا منها تلك المتعلقة بتحديد مختلف أشكال هذا التفاعل في ارتباطه بأجناس تعبيرية محددة..إلخ .

فالكتابة ، كما هو معروف، فعالية خلاقة يقوم بها كاتب ، تعطي نتاجا فكريا ، نسميه في مجال حديثنا إبداعا، أما القراءة ففعالية بعدية موكولة للقارئ، تنبني على الأولى، و تتخذ من نتاجها موضوعا لها، مع إمكانية تحولها بدورها لكتابة ثانية عن النص المقروء ، نسميها نقدا، إذا ما توفرت لدى القارئ طبعا الإرادة و الرغبة في أن يتحول لكاتب، كما أشار لذلك بارت(°)، مما يبرز بالملموس بعض مظاهر ارتباط الكتابة بالقراءة، رغم أن خاصية اللاتزامن المميزة لتفاعلهما في الخطاب الكتابي ، باعتباره حوارا (مؤجلا)(1) يتم على مراحل متباعدة، عكس الخطاب الشفهي المعروف بسياقه المشترك ( face  to face )، جعلت العديد من الناس يعتقدون خطأ، أنهما مستقلان عن بعضهما البعض.

اعتقاد سرعان ما يعدل بقليل من التدبر و التريث، لأنه رغم الاستقلال الظاهري ، الذي توحي به هذه العلاقة، على المستوى الكتابي، فلا أحد يجادل ، مع ذلك ، في وجود رابطة قوية ، ضمنية أو صريحة ، بينهما.

و مما يزيد في تدعيم مصداقية هذا الاعتقاد و يقويه، ما نلاحظه من استحالة تصور كتابة بدون قراءة، و لا قراءة بدون كتابة، أو لم نعرف القراءة سابقا بأنها فعالية بعدية زمنيا بالنسبة للكتابة، و هو ما يعني ، بعبارة أخرى، أن تواجدها رهين بتواجد الفعالية الأولى ( الكتابة)، مجسدة في النص المقروء، و إلا لما تمكنت من تحقيق وجودها الفعلي ، صحيح أن درجة هذا الحضور ، و هذه الأهمية ، تختلف باختلاف طبيعة النصوص، و أجناسها الأدبية، في ارتباط كلي بالوظائف و الأهداف المحددة لها، غير أن الشيء المؤكد دائما ، و في جميع الحالات ، أنها قائمة، و لا تنعدم إطلاقا، و هو ما يسمح لنا بالقول إن الكاتب لا يمكنه أبدا ممارسة فعله الإبداعي في غياب مطلق و نهائي للحضور ، المفترض أو الصريح ، للقارئ الضمني ( le lecteur implicite)(2)، باعتباره هيئة تواصلية مجسدة على مستوى النص ، تقوم مقام الحضور الفعلي المباشر و المتزامن للقارئ الفعلي ( le lecteur réel) في الخطاب الشفهي، و تجسد بالملموس الحاجة الماسة له ، كشرط ضروري لقيام كل خطاب، كيفما كان نوعه و هدفه ، أليس : ( كل تلفظ  هو صراحة أو ضمنا خطاب يفترض مخاطبا )(3)، كما يقول بنفنيست(Benvéniste)، و لعل هذا ما دفع العديد من المنظرين ، و على رأسهم زومان ياكبسون (R Jakobson) للتأكيد على أهمية المتلقي ، كركن أساسي من أركان العملية التواصلية الثلاثة، إلى جانب كل من المرسل (le destinateur) و الرسالة( le message)، لدرجة تعتبر معها كل : ( محاولات تأسيس نموذج للغة ، دون أخذ للباث أو المتلقي في الاعتبار، يهدد بتحويل اللغة إلى متخيل مدرسي)(4).

و هذا ما تكشف عنه ، ضمنيا ، مختلف الإرغامات التي يخضع لها الكاتب ، بمجرد ما يستكمل تحديد الملامح الكبرى لقارئه الضمني، سواء ما يتعلق منها باختيار الأداة التواصلية المناسبة، أو ما يخص الرصيد الثقافي و الحضاري المشترك بينهما، إلى غير ذلك من مظاهر الحضور و المساهمة غير المباشرة للقارئ في تشكيل البناء العام للنص، مما هو معروف لدى اللسانيين : ( بالشروط العامة للتواصل)(5).

شروط لا تعدو ، في مجموعها ، أن تكون مجرد مظهر من مظاهر ممارسة القارئ لسلطته الضمنية على الكاتب، باعتباره طرفا أساسيا في العملية الإبداعية، في مقابل السلطة المضادة المعروفة التي يمارسها الكاتب  على القارئ، و لعل من أبرز مظاهرها كون هذا الأخير يجد نفسه ، مرغما، إن هو أراد  الالتزام ببنود ( ميثاق القراءة) (le pacte de la lecture)(6) المعروض عليه من طرف الكاتب ، أن يقرأ ما سطر له ، بالكيفية و الطريقة التي سطر بها سلفا ، من قبل الكاتب ، دون تغيير أو تحريف، بحيث لا يمكنه مثلا، إذا افترضنا الكتابة بالعربية ، أن يقرأها من اليسار إلى اليمين ، بدلا من اليمين إلى اليسار التي ارتضاها الكاتب ساعة اختياره لأداته التعبيرية هاته، إلخ.  

معنى هذا ، باختصار شديد ، أن الاعتقاد التقليدي الراسخ القائم على استقلالية الكتابة عن القراءة، و الكاتب عن القارئ، اعتقاد خاطئ، تفنده الوقائع و التجارب الملموسة، كما تدعو الضرورة لمراجعته و تصحيحه في ضوء مستجدات الأبحاث العليمة الأخيرة، خصوصا منها تلك التي تتمحور حول مسألة المتلقي ، في محاولة لإبراز أهمية دوره كعنصر ضروري فعال ، رغم مظهره السلبي في العملية التواصلية عامة، و الإبداعية منها خاصة، ما دام : ( النص طاقة عمل ممكنة يحققها فعل القراءة)(7)، على حد تعبير إيزر (W Iser) ،أو كما قال ياوس (Jauss) : ( إن فعل القراءة وحده يعمل على تحقيق الأعمال الأدبية)(8).

على أننا إذا كنا قد تحدثنا لحد الساعة عن الملامح العامة لهذه العلاقة على المستوى النظري المجرد ، بعيدا عن كل تمثيل أو تشخيص عملي ملموس، فما ذلك إلا رغبة منا في ضبط جوانب الإشكال و حصر أبعاده الكبرى المتعالية على كل النصوص، تماما كما يفعل البويتيقيون (les poéticiens) في محاولاتهم الهادفة لوضع القواعد العامة للأجناس الأدبية، على أن لا يفهم من ذلك طبعا ، بأي حال من الأحوال، خضوع جميع النصوص ، على اختلاف أجناسها و أصنافها التعبيرية لهذه القاعدة، بنفس الدرجة و النوعية، لما قد يتولد عن مثل  هذا الفهم البسيط من خلط فظيع بين الخاص و العام ، بين النظري و التطبيقي، مما لا يقبله العقل و تفنده الوقائع.

و عليه فما أن نتحول من المستوى النظري العام للمستوى التطبيقي الخاص حتى نجد علاقة الكتابة بالقراءة تتشعب و تتعقد ، لتتخذ لها مظاهر مختلفة و متنوعة، يندرج ضمنها طبعا الاحتمال السابق، لكن كحالة من بين عدة حالات ممكنة أخرى، و مرد ذلك، طبعا، إلى أن هذه العلاقة عادة ما تتأثر على المستوى العملي بعوامل خارجية عديدة، تتوزع بين ما هو إيديولوجي ، و ما هو اجتماعي ، و ما هو ثقافي .. إلى غير ذلك من الاعتبارات الأخرى التي لم يدخلها الطرح النظري العام السابق في الحسبان، و هو ما سيؤدي ، حتما ، لإحداث تغييرات جذرية على النصوص السابقة لصالح هذا الطرف أو ذاك ( الكاتب و القارئ) ، حسب خصوصية كل نص من جهة، و في ارتباط تام بالأهداف و المرامي المسطرة له من جهة أخرى، و هي تغييرات يمكن حصر أصنافها ، تبعا لنوعية العلاقة المقامة بين الكاتب و القارئ في الحالات الثلاث التالية:

1/ حالة التعاقد التشاركي بين الكاتب و القارئ ، أو النص الحواري ( الديالوجي).

2/ حالة التعاقد التوجيهي للكاتب على القارئ، أو النص الأحادي الصوت ( المونولوجي).

3/ و حالة التعاقد التوجيهي المعكوس للقارئ على الكاتب ، أو النص المستحيل.

و بالمناسبة تجدر الإشارة إلى أن الاحتمال الأخير مستبعد على المستوى العملي ، رغم إمكانية تصوره على المستوى النظري، لعدم توفر الكاتب على أبسط شروط و مؤهلات ممارسة فعل الكتابة، ممثلة في افتقاره لرسالة يود تبليغها للقارئ ، كما في النص الأحادي الصوت، أو إشراكه في مناقشتها على الأقل ، كما في النص الحواري، مما يتولد عنه بالضرورة وقوع اختلال كبير في علاقة الكاتب بالقارئ لفائدة هذا الأخير، بحيث تصبح المبادرة في يده بما يفوق الخمسين في المائة، مقابل حصة تقل عن ذلك بكثير لفائدة الكاتب، و هو ما لايقبله الواقع إلا في حالة تبادل المواقع و الأدوار بينهما ، بحيث يصبح الكاتب قارئا ، و القارئ كاتبا ، و بالتالي الانتقال من الحالة الثالثة (حالة التعاقد التوجيهي المعكوس) للحالة الثانية( حالة التعاقد التوجيهي)، و لهذا أسميناها بالنص المستحيل، و بذلك نبقى أمام احتمالين عمليين فقط ، لا ثالث لهما ، يتولد عن كل واحد منهما لون أدبي ذو مواصفات تعبيرية خاصة ، تحدد بالملموس طبيعة العلاقة المقامة بين الكاتب و القارئ، بحيث إما أن نكون أمام خطاب تؤطره رؤية منفتحة على كل الآراء و المعتقدات ، كيفما كانت و كيفما كان مصدرها، بما فيها طبعا آراء  و معتقدات القارئ، خصوصا إذا علمنا أنها غالبا ما لا تكون مطابقة لآراء الكاتب إلا في حالات نادرة جدا، إن لم نقل منعدمة،نظرا لاختلاف المنطلقات الإيديولوجية و الفكرية المؤطرة لموقف كل واحد منهما، من ناحية، و استحالة تصور كتابة يتوجه فيها صاحبها بالخطاب لقارئ ، يعلم مسبقا، أنه يشاطره نفس الرأي ، من ناحية أخرى.

أمام هذا الاختلاف الفكري و العقائدي المفترض وجوده بالضرورة بين الكاتب و القارئ، يبدو أن أهم ما يميز الكتابة الروائية التي أسميناها ( حوارية) ، هو استعداد الكاتب المبدئي لتبادل الرأي مع القارئ حول مختلف القضايا المطروحة للنقاش في النص، دون تسلط أو هيمنة من أي طرف، لأن الأساسي هنا ليس الإقناع ، بقدر ما هو الرغبة في استيعاب أبعاد القضية المعروضة في شموليتها و تشعباتها المختلفة بأقصى درجة ممكنة من الحياد و الموضوعية و التجرد، يفقد معها صوت الكاتب كل سلطة على الأصوات الأخرى ، بما فيها صوت القارئ طبعا. ليصبح و إياها على قدم المساواة في حوار ديمقراطي هادف و فعال، تظلله النية الصادقة المشتركة في تبادل الرأي ، خارج كل قناعة مسبقة من شانها تعكير صفو هذا الجو الحواري المفتوح، خلافا لما تفعله نقيضتها الكتابة الروائية الأحادية الصوت ( المونولوجية)، حيث يعلو صوت الكاتب على باقي الأصوات الأخرى، في محاولة لإسكاتها، و تحويلها في أحسن الأحوال لمجرد أبواق تردد قناعاته الفكرية و العقائدية ، في غياب مطلق للوعي باستقلالية الآخر، و قدرته على التحاور و إبداء الرأي، بعيدا عن كل تدجين أو هيمنة، مما ينعكس سلبا على انغلاقية أفقها و ضيقه، لدرجة لا يتسع معها لغير قناعة الكاتب ، باعتباره المالك الوحيد للحقيقة المطلقة، حسب اعتقاده الخاص طبعا، أما ما عداه ، بمن فيهم القارئ، فينحصر دورهم في الخضوع لهيمنته  و توجيهه بعيدا عن كل نقاش ، و الاكتفاء بالتالي بمحاولة الفهم و الاستيعاب لا غير، تماما كما هو حال رواية الأطروحة (le roman à thése) النموذج الأمثل للكتابة الروائية التوجيهية الأحادية الصوت، حيث : ( العالم الفني .... لا يعرف أفكار الغير، رأي الغير، بوصفها مادة للتصور)(9) كما يقول باختين ، لذلك اخترناها نموذجا توضيحيا لأبعاد هذه العلاقة التواصلية التوجيهية المحتملة بين كاتب يمتلك ( الحقيقة) ، و قارئ يفترض فيه سعيه الحثيث لاكتسابها ، و اسميناها (مونولوجية) على حد تعبير باختين أيضا، أي ذات الصوت الواحد ، مقابل الكتابة الروائية المنفتحة ( الحوارية / الديالوجية) المعروفة بتعدد و تساوي أصواتها.

و ما دمنا بصدد المقارنة بين هذين اللونين الروائيين ، من حيث اختلاف نوعية العلاقة التي تربط كاتب كل منهما بقارئه ، فلا بد من الإشارة إلى أنه إذا كانت الكتابة الروائية الحوارية لا تعرف سوى إمكانية واحدة عند التطبيق ، فإن الأمر على خلاف ذلك تماما فيما يخص الكتابة الروائية المونولوجية، ممثلة في رواية الأطروحة، حيث يمكن أن نعثر على نصوص كثيرة تشترك في نفس الصفة ، مع اختلاف كبير فيما بينهما من حيث الدرجة، و مرد ذلك إلى أن الديمقراطية الحقيقية واحدة، مهما اختلفت مظاهرها ، بينما الديكتاتورية أنواع كثيرة بعدد درجات سلطويتها.

بعد هذا كله ، أعتقد أني لست في حاجة للتذكير بأن ضبط مختلف أشكال تفاعل الكتابة بالقراءة في كل من الرواية الحوارية و المونولوجية ، لا يراد لذاته فقط، و إلا لما كانت له ، في تقديري ، فائدة تذكر، بقدر ما هو خطوة أولية ضرورية على طريق كشف الآليات و الوسائل التقنية التي يوظفها الكاتب في كلا اللونين التعبيريين لفرض قراءة معينة على القارئ الضمني ، تتماشى  و خدمة الأهداف و المرامي المسطرة طبعا، و هو ما يعني بعبارة أخرى، أن تبني الكاتب لرؤية إبداعية معينة أثناء الكتابة يعد ، بشكل من الأشكال ، خطوة نحو تحديد مسبق لملامح النص المراد إبداعه، و من خلاله لنوعية القراءة المناسبة له، و إن كان ذلك لا يستبعد إمكانية خرقها من طرف القارئ الفعلي . فالمعروف أن نوع  القراءة التي يتطلبها مثلا النص الروائي الحواري ( قراءة فاعلة ) ،تختلف جذريا عن القراءة التي يفرضها النص الروائي المونولوجي ( قراءة منفعلة)، و هي مسألة طبيعية جدا ، ما دامت متطلبات و أهداف النص الأول تختلف حتما عن متطلبات و أهداف النص الثاني، فالرواية الحوارية تفترض مشاركة فعالة  و فاعلة للقارئ في العملية الإبداعية، باعتباره شريكا أساسيا ، لا يقل أهمية عن الكاتب، ما دام البعد الدلالي للنص يبقى ، في النهاية ، رهين قدرته على الحفر في أعماق العمل المقروء، هذا في الوقت الذي ينحصر دوره في النص المونولوجي على التلقي السلبي لما أعد له سلفا من قبل الكاتب، بغض النظر عن موقفه الشخصي و إمكانياته الخاصة، و إن كان هذا لا يعني ، بأي حال من الأحوال ، التزام القراء الفعليين المطلق و الحرفي بلعب نفس أدوار القراء الضمنيين المعدة لهم سلفا في النصوص المقروءة، إلا أن هذا لا يلغي مع ذلك وجود الخطوط العريضة لهذه الأدوار على مستوى الكتابة، ما دام عدم تحققها الفعلي على أرض الواقع يعد إفرازا مخالفا لطبيعة النص و خرقا لها ، يقع بفعل معطيات خارجية عديدة ، تتجاوز نطاق اهتمامنا الحالي ، و هو ما يسمح لنا بالقول ، بأن الكتابة تختار القراءة و تخضع لاختيارها في الوقت نفسه: ( ما دامت حرية المؤلف و حرية القارئ تبحث كل منهما عن الأخرى، و تتبادلان التأثير فيما بينهما من بين ثنايا عالم واحد، فمن الممكن أن يقال : إن ما يقوم به المؤلف من اختيار لبعض مظاهر العالم ، هو الذي يحدد القارئ، كما يمكن أن يقال أيضا، إن الكاتب ، حينما يختار قارئه ، يفصل بذلك في موضوع كتابه ، و لذلك كانت كل الأعمال الفكرية تحوي في ذاتها صورة القارئ الذي كتبت له )(10)، تماما كما أشرنا لذلك سابقا، حين قلنا بوجود علاقة جدلية متبادلة بين الكتابة و القراءة، عكس ما كان شائعا إلى وقت قريب ، من كونهما فعاليتين مستقلتين عن بعضهما البعض.

 

 

بيان الهوامش والإحالات:

 

 

°/ نص الدراسة التي ساهمت بها في ندوة :( اللغة و الأدب و الحضارة ) المنظمة من قبل الجامعة اللبنانية ( الفرع الأول) أيام : 16/17/18 دجنبر 2011.

°/ أنظر بخصوص هذه المسألة كتاب رولان بارت : النقد و الحقيقة، ترجمة و تقديم : إبراهيم الخطيب، و مراجعة : محمد برادة، منشورات الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الطبعة الأولى 1985.

1/ سعيد يقطين : القراءة و التجربة ، حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد بالمغرب، سلسلة الدراسات النقدية عدد: 4، دار الثقافة ، البيضاء ، 1985،ص:20.

2/ أنظر: W Iser : l’acte de lecture, théorie de l’effet ésthétique, éd Pierre Mardaga ;1976 ,P :73-74

3/ أنظر:E Bénvéniste : probléme de linguistique générale T :2, éd : gallimard,1974,P :82

4/ أنظر: Catherine Kerbrat Orécchioni : l’énonciation de la subjectivité dans le langage ,éd : Armand Colin,1980,p :228

5/ أنظر:W Iser : Op cit,p :151

6/ أنظر:Ph, Le Jeune : le pacte autobiographique,éd :seul ;p :44

7/ أنظر:W Iser : Op cit, p :13

8/ أنظرJean Starobinski :préface de : pour une ésthétique de la réception,éd : Gallimard,1978, p :12

°/ أنظر: S,R,Suleiman :le roman à thése,éd : Puf ,1983

9/ ميخائيل باختين : شعرية دوستويفسكي ، ترجمة : د/ جميل نصيف التكريتي ، مراجعة : د/ حياة شرارة، دار توبقال ، 1986، ص:113/114.

10/ جون بول سارتر: ما الأدب ؟، ترجمة و تقديم و تعليق الدكتور محمد غنيمي هلال ، منشورات دار نهضة مصر للطبع و النشر ، الفجالة، القاهرة ، ص:75.