CSS Menus Samples Css3Menu.com

 

 

 


 

 

العناوين الداخلية في الرواية المغربية

 

د. عبد العالي بوطيب

 

1 - تتناول هذه الدراسة بالبحث و التحليل ، كما هو واضح من عنوانها، أحد المكونات الأساسية الثابتة في قيام النصوص الروائية بصفة عامة ، بدليل استحالة إيجاد عمل  روائي يستغني عنها تماما . صحيح أن درجات و أشكال  هذا الحضور تختلف باختلاف المراحل، و التجارب ، لكنها  تظل دائما ، وفي جميع الحالات ، مجرد تلوينات شكلية دالة، لا تمس جوهر وجوده و كينونته. مما يسترعي اهتمام الباحثين ، ويدفعهم للتفكير في إيجاد أجوبة شافية ، لأسئلة محيرة كثيرة ، تمس ، بالأساس ، جوهر ارتباط الرواية ، دونا عن غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى، بهذا النص الموازي، في علاقته بطبيعتها البنيوية الخاصة، فضلا عن حجم و نوع  الأدوار التعبيرية و الفنية  الموكولة له. إلى غير ذلك من الأسئلة العديدة الشائكة و المتشابكة الأخرى، التي تعد بمثابة أرضية نظرية تمهيدية ضرورية لبحث أشكال حضور هذا المكون الأساسي في المتن الروائي عامة ، و المغربي على وجه الخصوص.

و هو ما يعني بعبارة أخرى أننا سنقسم دراستنا منهجيا لقسمين ، مختلفين ومتكاملين. الأول نظري عام نتناول فيه أهم القضايا التركيبية، الدلالية، و الجمالية المرتبطة بالعناوين الروائية الداخلية، وما يميزها عن نظيراتها في النصوص الإبداعية والفكرية الأخرى.

و الثاني تطبيقي عام أيضا نحدد فيه ، على خلفية الخلاصات النظرية السابقة، أبرز مقومات حضور هذا العنصر و دلالاته في الرواية المغربية. كما تعكسها مجموعة متنوعة من النصوص تمثل مختلف الأجيال و التجارب (*).

1/1 – لفهم و تحديد طبيعة و نوعية ارتباط العناوين الداخلية بالنصوص الروائية. و المهام الموكولة لها، لابد من مقارنته بأشكال حضورها في نصوص إبداعية أو فكرية أخرى، يفترض أن لها تكوينا بنيويا مغايرا، بهدف ضبط الفوارق القائمة بينها . نظرا للعلاقة الجدلية القوية الموجودة بين مختلف أشكال هذا الحضور من ناحية، و المقومات البنيوية الخاصة بكل جنس تعبيري من ناحية أخرى. مما سيحول حتما دون تعميم الخلاصات النظرية الخاصة بكل جنس على باقي الأجناس الأخرى، ، بما في ذلك الرواية طبعا . و يستوجب بالتالي ضرورة إنجاز دراسات جزئية خاصة تحاول تعقب مظاهر هذه التمايزات على صعيد كل جنس أدبي على حده، تفاديا لسلبيات التعميم .

و عليه إذا كانت العناوين الداخلية ، تتميز عن نظيراتها الخارجية، رئيسية كانت أو فرعية، كما تدل على ذلك تسميتها، بتواجدها داخل الكتاب ، وبين دفتيه، بكل ما لذلك من تأثيرات عديدة ومتباينة، خصوصا على مستويي الكتابة والقراءة، فإن هذا  ينبغي، مع ذلك، ألا ينسينا ما قد يوجد بينها غالبا من تلوينات نوعية عديدة، مرتبطة أساسا بطبيعة محتوى كل كتاب و تركيبته الخاصة.

و هكذا فباستثناء كتب نص الأحادي المتصل المستغنية بحكم طبيعتها عن هذا النوع من العناوين فإن الكتب الباقية الأخرى المعروفة بعناوينها الداخلية تنقسم من حيث مكوناتها لقسمين كبيرين :

الأول يتشكل أساسا من نصوص مستقلة ، جمعت بعد ذلك ، لاعتبارات مختلفة ، في هيئة كتاب ، فتحولت بذلك عناوينها الرئيسية لعناوين داخلية ، كما يحصل عادة في الدواوين الشعرية و المجاميع القصصية على وجه التحديد. بمعنى أنها لم تكن في الأصل كذلك، و إنما تحولت لذلك بفعل معطيات النشر لا أقل و لا أكثر. وهو ما يعكس الوضع الزئبقي لهذا العنصر ، و يطرح ، في الوقت ذاته صعوبات عديدة على مستوى تحديد طبيعته و ضبط مراميه,

أما الثاني فيتكون عادة من نص واحد فقط، منقسم داخليالمجموعةمن المقاطع ، تحمل غالبا تسميات مختلفة و متكاملة. ، حسب مواصفات كل نص، ورؤية صاحبه ( أقسام/ فصول/ مشاهد/ أبواب..إلخ)، تماما كما يحصل في الأعمال الروائية و المسرحية ، على سبيل المثال لاالحصر.

ليتأكد بذلك ، ما قلناه سابقا، عن اختلاف العناوين الداخلية، وتنوع وظائفها ، بحسب طبيعة كل جنس أدبي و نوعية الطبعات التي يخضع لها. لذلك فإن كل دراسة لا تأخذ في اعتبارها هذا المعطى إلا و تقع حتما في التعميم المفضي للتعويم ، مما يتنافى و قواعد الدراسة العلمية السليمة.

و بناء عليه  يمكن الجزم ، دون تحفظ ، بأن العناوين الروائية الداخلية تأخذ الشيء الكثير من مقومات هذا الجنس الأدبي المعروف بتنوع  مستوياته، الحكائية والسردية، وتشابكها . و يجعلها بالتالي مختلفة عن نظيراتها في الكتب المكونة من عدة نصوص مثلا، رغم اشتراكهما معا في تسمية واحدة ، توهم ظاهريا بتشابه شكلي مزعوم سرعان ما تكشف زيفه النظرة التأملية الثاقبة.        

 

البحث في موضوع الإشهار شيق وشائك في نفس الوقت، شيق لأنه يمكن صاحبه من معرفة عميقة بمقومات لون تعبيري جماهيري ، ما فتئت أهميته تزداد يوما عن يوم. وشائك لأنه مجال شاسع ، تتوزعه مجموعة كبيرة من الحقول و الوسائط المعرفية المختلفة ( نفسية، اجتماعية، ثقافية، و حضارية..)، مما يجعل البحث فيه أقرب ما يكون لمغامرة محفوفة بالكثير من المخاطر و الصعوبات.